سورة القصص - تفسير تفسير الشعراوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (القصص)


        


{فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ(25)}
قوله: {إِحْدَاهُمَا} [القصص: 25] أي: أحدى المرأتين {تَمْشِي عَلَى استحيآء} [القصص: 25] يعني: مُستحية في مجيئها، مُستحية في مِشْيتها {قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا} [القصص: 25].
لما جاءتْه هذه الدعوة لم يتردد في قبولها، وانتهز هذه الفرصة، فهو يعلم أنها استجابة سريعة من ربه حين دعاه {رَبِّ إِنِّي لِمَآ أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ} [القصص: 24] وهي سبب من الأسباب يَمدُّه الله له، وما كان له أنْ يردَّ أسباب الله، فلم يتأبَّ، ولم يرفض دعوة الأب.
ولم يذكر لنا السياق هنا كيف سار موسى والفتاة أبيها، لكن يُرْوَى أنهما سارا في وقت تهبُّ فيه الرياح من خلفها، وكانت الفتاة في الأمام لتدلّه على الطريق، فلما ضمَّ الهواء ملابسها، فوصفت عجيزتها، قال لها: يا هذه، سيري خلفي ودُلِّيني على الطريق.
وهذا أدب آخر من آدام النبوة.
{فَلَمَّا جَآءَهُ} [القصص: 25] أي: سيدنا شعيب عليه السلام {وَقَصَّ عَلَيْهِ القصص} [القصص: 25] أي: ما كان بينه وبين القبطي {قَالَ لاَ تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ القوم الظالمين} [القصص: 25] يعني: طمأنه وهدَّأ من رَوْعه.


{قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ(26)}
وهذا حكم رابع نستفيده من هذه الآيات، نأخذه من قول الفتاة {ياأبت استأجره} [القصص: 26].
وفي قولها دليل على أنها لم تعشق الخروج للعمل، إنما تطلب مَنْ يقوم به بدلاً عنها؛ لِتقَّر في بيتها.
ثم تذكر البنت حيثيات هذا العرض الذي عرضته على أبيها {إِنَّ خَيْرَ مَنِ استأجرت القوي الأمين} [القصص: 26] وهذان شرطان لابد منهما في الأجير: قوة على العمل، وأمانة في الاداء. وقد تسأل: ومن أين عرفتْ البنت أنه قوي أمين؟
قالوا: لأنه لما ذهب ليسقي لهما لم يزاحم الناس، وإنما مال إلى ناحية أخرى وجد بها عُشْباً عرف أنه لا ينبت إلا عند ماء، وفي هذا المكان أزاح حجراً كبيراً لا يقدر على إزاحته إلا عدة رجال، ثم سقى لهما من تحت هذا الحجر، وعرفتْ أنه أمين حينما رفض أن تسير أمامه، حتى لا تظهر له مفاتن جسمها.
ويأتي دور الأب، وما ينبغي له من الحزم في مثل هذه المواقف، فالرجل سيكون أجيراً عنده، وفي بيته بنتان، سيتردد عليهما ذهاباً وإياباً، ليلَ نهار، والحكمة تقتضي إيجاد علاقة شرعية لوجوده في بيته؛ لذلك رأى أن يُزوِّجه إحداهما ليخلقَ وَضْعاً، يستريح فيه الجميع: {قَالَ إني أُرِيدُ}


{قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ(27)}
في الأمثال نقول:(اخطب لبنتك ولا تخطب لابنك) ذلك لأن كبرياء الأب يمنعه أنْ يعرض ابنته على شاب فيه كلُّ صفات الزوج الصالح وإنْ كان القلة يفعلون ذلك وهذه الحكمة من الأب في أمر زواج ابنته تحلُّ لنا إشكالات كثيرة، فكثيراً ما نجد الشاب سويَّ الدين، سويَّ الأخلاق، لكن مركزه الاجتماعي كما نقول دون مستوى البنت وأهلها، فيتهيب أنْ يتقدّم لها فيُرفض.
وفي هذه الحالة على الأب أنْ يُجَرِّىء الشاب على التقدم، وأن يُلمح له بالقبول إن تقدَّم لابنته، كأن يقول له: لماذا لم تتزوج يا ولد حتى الآن، وألف بنت تتمناك؟ أو غير ذلك من عبارات التشجيع.
أما أن نرتقي إلى مستوى التصريح كسيدنا شعيب {إني أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابنتي هَاتَيْنِ} [القصص: 27] فهذا شيء آخر، وأدب عَالٍ من العارض، ومن المعروض عليه، وفي مجتمعاتنا كثير من الشباب والفتيات ينتظرون هذه الجرأة وهذا التشجيع من أولياء أمور النبات.
ألاَ ترى أن الله تعالى أباح لنا أن نُعرِّض بالزواج لمن تُوفِّى عنها زوجها، قال تعالى: {وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النسآء} [البقرة: 235] ولا تخفي علينا عبارات التلميح التي تلفت نظر المرأة للزواج.
وقوله: {على أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ} [القصص: 27] أي: تكون أجيراً عندي ثماني سنوات، وهذا مَهْر الفتاة، أراد به أن يُغلِي من قيمة ابنته، حتى لا يقول زوجها: إنها رخيصة، أو أن أباها رماها عليه.
{فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِندِكَ وَمَآ أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ} [القصص: 27] يعني: حينما تعايشني ستجدني طيبَ المعاملة، وستعلم أنك مُوفّق في هذا النسب، بل وستزيد هذه المدة محبة في البقاء معنا.
فأجاب موسى عليه السلام: {قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ}

5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12